Thursday, December 11, 2014

لا شيء.

يسبقها إحساس البرودة حوله ظلام يحتوي جسدها الضئيل على عكس عقلها الذي لا يحتويه شيء. تتأمل حياتها إلى هذه النقطة التي ما رغبت في خوضها مع نفسها. كُل الذي قيل و كُل الذي لم يُقال الآن في صياغ واحد. لم تكتفي برفض ما عانت في فترات سابقة متقطعة؛ بل كانت كل ليلة تتذكر ما حدث و قد قاربت الذكريات نفسها على التحلل لكثرة نبشها. 
يوم من ايام الحياة الذي هربت فيه و أتت بكل ما وجدت من شجاعة لتترك كل شيء خلفها. وجدت نفسها ترمي بكل الملابس الأنيقة على ارض الغرفة التي كرهتها طويلاً، و كل الأزياء الجميلة في حقيبة صغيرة للسفر البعيد. البكاء لا يفارق قلبها و لا يقرب من عينيها. الان لم يتبقى شيء. 

و تلك الذكرى بمشيتها الحادة على ارض مطار بلادها كأنها مع كل خُطوة تنتقم من كل يوم بشع، من كل ساعة ظلم و من كل شخص سيء. رأت أمامها كل الأشياء واحد؛ الأصدقاء و العائلة و الحبيب. 

الان لم يتبقى شيء. 

”صمت يعلمني بهروبي
أتيت لأخسر ابشع حروبي
ركضت في ارض واسعة
ظننتها ارض وجودي“

في يوم كان العالم كله ضدها، ففي منتصف عقدها الثاني، هربت منهم و من مشاكلهم عند اول فرصة عمل جاءتها ببلد أوروبية. ستكون غريبة هُناك تُحترم و يُنظر اليها بتقدير. فضلت ذاك على ان تكون في وطن يكن لها كل الغرباء في ارض، لا أول بها او آخر. 
فليكن الان و ليس الغد و ليس بعد سنين.


الان لم يتبقى شيء.

و فات من العمر الكثير اذاً و هي لم ترجع ابداً لتلك البلاد التي يسميها بعضهم الوطن. فأي وطن؟ و بأي حق بوطننا نبالغ و نغامر و نقتل و نحارب؟ لأي شيء؟ لتاريخ قد مات زعماؤه و نُسبوا إليه؟ اما نحن فليس لدينا نسب؛ نحن لا ننسب لشيء ابداً.

فالآن انتهى كل شيء.

سلمى أبوزيد.

Sunday, December 7, 2014

الشمس و الرمال

بماذا تفكرين؟ - قال لها
بعد سكوت للحظات اردفت:

أتعلم حينما تشم شيئاً او تسمع صوت حركة أمواج البحر و السمك في أعماق مياهه المالحة؟ هذه الحياة سخيفة حقاً، ليست كلها شمس و ليس ملمسها كملمس الرمال الناعمة. 

لم يفهم ما عنته و لن يفهم.. لما كل شيء غير متوفر في الأوقات التي نريدها و يذهب حين نريده؟ اعني كم من الوقت يجب ان ننتظر ليكون "كافي" و كم من الأيام نُحصي؟ أم انه لا يُحسب بالأيام؟ بالدقائق و الساعات، رُبما بعدد دقات القلب في كل مرة يخيب ظنه. هذا مُقنع.

- ماذا تعنين بالشمس و الرمال؟ 
- أهناك شمس غير شمسنا و رمال غير رمالنا؟
- لا أظن..
- إذاً سؤالك ليس له صلة
- و ماذا أيضاً؟ 
- ليس هُناك الكثير عنك في عقلي لأذكره.
- ماذا عن قلبك إذاً؟

صمت يُنشد نغمات التيه الغريب و يدعها تتذكر اي كلام حذق لتهرب من سؤاله الذي لا يَمَل منه. و لكنها لم تعرف هذه المرة. 

- لم تردي على سؤالي؛ ليس له صلة كما الذي قبله؟ ام ليس له إجابة؟ 
- تعرف الإجابة فما غرض سؤالك؟ 
- أُحب ان أُذكر نفسي. و ابتسم.
- انت لست بقلبي. و لن تكون. تذكرت الآن؟ 
اشاحت بنظرها كي لا تواجه عينيه و بقي هو يترقب اي شيء فيها يُشعره انها تكذب. و لكن صدقها كان أجمل ما فيها، فلم يعثر على أي شيء. 

لم ينطق بكلمة و نظر للسماء و هو ينفض الغبار من على ملابسه حين استقام من جلسته و نظر إليها رجوعاً، استعد لقول كل ما يجعله ارقى منها و يجعلها تبحث عنه -هو يعلم كيف- لكنه لم يفعل. ربما لأنه أخيراً شعر أنها لا تستحق معاناة اكثر من ذلك. 

- انت مُحقة؛ هذه الحياة سخيفة حقاً، ليست كلها شمس و ليس ملمسها كملمس الرمال الناعمة. 

لم ينتظر ردها و ذهب بعيداً إلى اللاعودة و أغلق عيناه حتى لا يرى ظلها و لا يتخيل وجودها وراءه و لم تعلم هي ماذا دهاه. 

Monday, December 1, 2014

4:11 AM - No comments

ما لم يعلمه بعد

يداه يحتضنان بعضهما و يسندان رأسه من الخلف كأنهما يمنعان الأفكار من الهروب. بينما يسترخي جسده في هدوء مُحبب في هذا الوقت من اليوم. 
أسئلة كثيرة تأتي و تذهب لتتركه هائم مع نفسه و تتلاشى نظرته من ذكريات مُشتتة لتتركز على صورته المنعكسة أمامه في المرآة. يعود ليحدق اكثر في الفراغ ليطفو سؤال في ذهنه؛ ماذا كنت افعل إن لم أكن خائفاً؟. لاحقته الفكرة تليها الأخرى ثم ما يبقى في ذهنه من شتات لا معنى له. 

اليوم لا يستطيع البقاء في ذهنه لكل هذا الوقت؛ لابد من الإستيقاظ من الحلم الزائف الذي يعيش خلاله كل يوم على مدار سنتين الآن. الحياة بالنسبة له لا تتعدى التأقلم مع كل ما و من حوله بشكل روتيني لا يتفكك. لم يعد يهتم بماذا يحدث حوله و لم يعد يهمه ان يُغير العالم بعد الآن. لا يريد ان يعود الى زمن لم يكون فيه سعيداً و في نفس الوقت، لا يعلم ماذا ينتظره. حالة من اللامبالاة تستحوذ على عُمره و لا يُلاحظ ما يفوته.
يتسآل ما إذ سيتمكن من إستكمال ما تم إبتدائه. 

أخذ يُراجع قراراته كأن هذا سيخرجه من اللاوعي الذي يغرق فيه، او كأنه سيعلم كيف يعود. ماذا كنت ستفعل إن كنت تعلم انك لن تكون سعيداً جداً الآن؟ الحياة لا تتقدم حقاً، هي نمط واحد غير متغير. الحياة لا تؤذينا؛ كل ما يؤذينا هو ما نحس بخلاف ما نفعل. فإن كان القرار هو عدم التصديق؛ حسناً إذا، لن نصدق. كيف يحدث كل الخطأ فجأة في الوقت الصحيح المرغوب، بينما كل شيء نريده يأتي في أسوأ الأوقات؟ هذا ما لم يفهمه ابداً.

اعتدل في جلسته و رأسه تنزلق بين كفيه ليرغم عقله بالإستسلام لعدم التفكير المجهد. ساعده خفوت النور المائل للظلمة في غرفته على ذلك. لازلت اذكر كيف كانت، و كيف تضحك و تغضب. و لازلت اذكر أيضاً كيف قررت انا الإبتعاد؛ كأن تذكري هذا سيغير اي شيء. ياليت الأشياء تتغير عندما نتذكرها. لكن هذا لا يحدث حقاً. 

لماذا هذا الإحساس باليأس و الفقر إلى شيء اكبر يجعلنا نشعر بأننا نمتلك العالم بيدٍ و نُغيره باليد الأخرى؟!. سكن لبعض الوقت ثم أردف؛ إن كنت لازلت أراها معي لكنت تكلمت و قلت ما كانت تريد سماعه دائماً مني. لكنت استسلمت لقلبي و تركت عقلي يتألم حين تظاهر بعدم الإرتياح لقراري! و لو كنت أملك من الوقت كفايةً لكنت بقيت. 

هي أرادت أشياء، أشياء لا تُطلب. و هو لم يفهمها حتى و إن رآها في عينيها و احسها في صوتها. و كان دائم الانتظار لأي شيء يفصل ما بينهما -أياً كان هو- ليتخلص من إحساس الخوف الثقيل. 

 ماذا تفعل؟ إن كان اليوم هو يوم زفافها، ماذا تفعل انت هنا تُفكر فيما كان؟ أي شيء تنتظره انت او تتوقعه؟ قد ذهبت كل الأشياء التي تمنتها هي عندما اختفيت انت، فكفى. 

لم يعد إسترسال الماضي يفيد بشيء و حتى سلامه الداخلي لم يعد موجوداً كما السابق. فماذا بقي له؟
لم يعني له اي شيء اي قيمة او منطق إلا حين كان يغمض عينيه و يحس بالأنتصار الذاتي. هو أحب النور الذي كان يجده بقوة في أحيان و أحيان أخرى لا يجده؛ لكن لم يفقد الأمل ابداً حينها. فماذا حدث؟

قد طال إستيقاظه الليلة و طال التفكير لساعات، تعب من مجهود لم يوصله إلى أية نتيجة مرجوة فاكتفى بالإنزلاق و الإختفاء بين ثنايا الغطاء، و أغمض عينيه عن كل شيء و عن اي شيء. فالآن لم يعد يهتم بشيء. 

سلمى أبوزيد.

Thursday, November 27, 2014

نبض

اسمها يعلو شاشته الصغيرة و اخر كلام له منها يقف معه الوقت. تتثبت عيناه عندما يقرأ ما قيل له ليلتها، و تنتظره هي و رده الذي لا يبدو أنه سيأتي سريعاً. في زماننا هذا تنتقل الكلمات بسرعة فائقة ليس كما عهدنا او عهد آبائنا من رسائل بريد تُرسل عبر الأنهار و الصحارى لتصل لعيون تشتاق لحروف غابت طويلاً. 

علامة الكتابة في هاتفه المحمول "الذكي" تقف مكتوفة الأيدي لا تتحرك إلا بنبضات لانهائية كما قلبه. نعم.. لطالما نبض لها قلبه و كاد ان ينطلق من بين ضلوعه ليذهب إليها متضرعاً بين ذراعيها ليحتمي و لا يتركها ابداً. و ها هي كلماته تقف ثانيةً و لا تتحرك من مكانها المُعتاد؛ عقله. 

- لا زلت هُنا؟..

- نعم.

- إذاً؟! لم تقُل لي ما جوابك.

-ألم تعلمي بعد؟ ظننتُ أني كُنتُ واضحاً هذه المرة.

- لا، لم تقل شيئاً بعد.

أحقاً لم يفعل؟ لم يقل لها بكل ما أوتي من قوة و عزيمة و صبر أنه يريدها هي؟ أيعقل ان تكون هي صماء لا تسمع و لا ترى بعين القلب؟ 

لم يرُد عليها و اكتفى بعدم الكلام في الوقت الراهن. 

- ها أنت تختفي ثانية! و لا تُساعدني!

ابتسم نصف إبتسامة لا تدل على شيء، مُستحيل ان تكون بذلك الغباء.. و إن كانت، فلماذا يُحِبُ غبية؟ 

- قولي لي، من يختار الآخر، نحن أم قدرنا؟

سكتت لبرهة تُحاول ان تجد إجابة تُرضيه لتظهر أمامه بصورة الفهم المُعزز فيها. ماذا؟ و لماذا؟ لما لا تقدر ان تقولها له هكذا؟ ماذا تقصد يا مجنون؟ و لماذا تُصر على فعل كل هذا؟ لما لا تجاوبني و ننتهي من هذا النقاش الغريب المريض إلى الأبد! 

- لا أعلم..

- حتى و إن حاولتي؟ اعني ماذا ننتظر نحن من العالم حقاً ان يُعطينا؟ ام نحن لا يجب ان ننتظر أصلا؟

لم يكن هذا الهراء الذي قاله له هو ما أراد قوله حقاً. صادق كان مع كل من حوله إلا هي. هي بالذات. فكتب: حتى و إن حاولتي؟ ان تفهمي ماذا انا لكِ او ماذا اعني لكِ؟ كيف أعيش بكِ و خلالكِ؟. ثم محى ذلك بالطبع؛ لأنه لا ينفع بشيء ذلك الكلام. 

- لماذا لا تجاوب سؤالي و كفى؟ لما العقد الغريبة؟

- أنت على حق..

نبضت علامة الكتابة و خُيل له انها تبدو اسرع الآن؛ ام انه قلبه الذي يُسارع معها ليسابقها و يتمنى ان يفوز بحُرية الكلام المطلق؟! 

انتظرت هي إجابته و تنظر إلى إسمه الذي طالما أحبته. لكن هذا كان منذ زمن و الزمن لا يعود. ترى انه ما رآها قط مع أنه كان دائماً ما يشرد و هما معا. و لم تعلم السبب ابداً.

انتظر و كتب ما عليه كتابته او ما تريد سماعه منه ليُنهي ما تبقى او يبتدئ ما يُولد أمامه. 

- كل هذا تفكير! ظننت القرار ليس بالصعب ابداً كما قُلت لي.. 

صمتت الحركات حوله و أغمض عينه ليجمع شتات تفكيره ثم كتب:

- نعم، يجب ان تقولي له. قرارك صحيح؛ رأيي هو ان طالما أنتِ ترينه من يجب ان يكون في حياتك دائماً فعليكِ ان تذهبي و تجعليه يراكِ أيضاً..

سكنت في مكانها و قرأت كلامه بعض المرات و اردفت: 

- لطالما كنت أنت عقلي الذي أفكر به، شكراً! 

و لطالما كنتِ انتِ قلبي الذي أعيش به، شكراً.. 
لم تُكتب تلك الجملة بالطبع و لم تُكتب أي كلمة بعدها..

سلمى أبوزيد

Thursday, November 13, 2014

7:37 AM - No comments

شهرزاد؛ سمرقند. (٢)

بعد صمت يقطعه حفيف أرجل مُتعبة من المشي، جاء صوت سمرقند بسؤال كان متوقع نوعاً ما.

سمرقند: كيف لم يكن يكفي وجود شهريار لكِ؟! 
شهرزاد: لا ادري ما سبب اهتمامك به او بهذا الموضوع تحديداً بهذه الطريقة الغريبة صراحةً.
 
احست سمرقند انها تدخلت في خصوصيات شهرزاد بما يزيد عن حقها، فاكتفت بالنظر إلى أسفل و التظاهر بالإنكسار. صمتها جعل شهرزاد تواصل حديثها قائلةً؛

شهرزاد: حسناً، سأحكي لكِ ما أراه و جزء مما قد حدث و لا تطمعي بأكثر من ذلك! 

ابتسمت سمرقند و أحست انها على حافة الدخول لتاريخ من سمعوا قصص و روايات "شهرزاد" و أنصتت جيداً بعد قولها: انا فقط أريد ان اعلم وجهة نظر شهرزاد العظيمة في شهريار الملك المستبد الذي اصبح اضعف الضعفاء على يديها. 

تبسمت شهرزاد و أحست بشيء من الكبرياء و عزة النفس لكنها لم تُظهر ذلك و أردفت:

- لم يكن هُناك شيء مُميز في شهريار حينها؛ عانى كثيراً ليعرف من أكون، و لم يكن مُقتنع بشيء أقوله ابداً. فجُن لعدم علمه بحقيقة ليس لها وجود او اصل.
كان الملك الذي يذبح العذارى كل صباح و أضحى مقتول دون أدنى مجهود مني. لم أسحره إلا بغموضي الذي لم انويه إلا لحماية نفسي. و هذا كل ما في الأمر. 

سمرقند: لم تقولي لي لما لم يكن كافِ؟ 

ضحكت شهرزاد فزاد جمالها أضعافاً و قالت: و كيف يكفيني رجلٌ مجنون؟!! 

ابتسمت سمرقند ابتسامة هادئة حين قالت بعد صمت قصير: أنتِ على حق؛ كيف يكفي شهرزاد رجلٌ مجنون..بها؟ 

استبقتها بخطوات تليها فكرة انتصار على أفكار شهرزاد العظيمة لتتركها هائمة لشيء لا تعلم عواقبه.

- سلمى أبوزيد

Friday, November 7, 2014

1:05 AM - No comments

شهرزاد؛ سمرقند.

كنت أتخيل أن العلم بالأشياء لا يكون بهذه الفظاعة و عدم التخلي عن الأحلام البسيطة قد يتركنا آملين. و يأتي يوم يجعلني أتمنى لو أني في مكان آخر في عصر آخر و وقت مختلف. تتبقى الذكريات واحدة تلو الأخرى و العمر لم يتبقى منه مثلما راح. فأرى من ذهبوا و من أتوا و من يذهبون و من يتركون جراحهم في الهواء الطلق لتنزف حتى الإحتضار. تعلمت الكثير في وقت قليل و تبقى لدي شُكوكي. 

كانت هي، تتلوى جزيئات تلمع في عمق عيونها الغجرية لا هي زرقاء و لا خضراء بل بُنية شديدة الغموض. ترى ما تفعله الرجال حول وجودها و اضطراب عيونهم حين ينظرون إليها بشفقة التطفل الغريب لمتسول يرجو العفو. و صديقتها سمرقند لا تتحرك إلا في حماها.

شهرزاد: ما بكِ يا سمرقند؟ لستِ على ما يُرام اليوم..
سمرقند: لا شيء، فقط هدوء الرجال حولنا يُشعرني بعدم الإطمئنان لوهلة..
شهرزاد: هدوء الرجال؟ ليس هُناك رجل هاديء يا سمرقند، لكن التظاهر نعمة لا يدركها إلا القليل! 
لا تتركيهم يخدعون عينيكِ الصافيتين البريئة.
سمرقند: ما بال البراءة يا شهرزاد؟ أليست ما تجعل الحزين يفرح و الكئيب يتشبث بأمل؟
شهرزاد: لا، ليست هي. لابد ان تعلمي ماذا تعطين لكل من يطرق طريقك، لا تُعطي الكثير لمن يستحق القليل و لا تُفكرِ بقلب تائه أبداً، لا تبدأي بإستراق النظر للشخص الخطأ يا سمرقند. فهذا يُحزن.

الناس من حولهما تتفوه بهمس مسموع يجعل مرمى سمعهما يجمع الكثير من الكلمات المرغوبة و الغير مرغوبة. عين و أذُن و ألسنة كثيرة. الهواء الهاديء الخفيف يترجى أنفاساً ان تستمر بالرقُود.

سمرقند: شهرزاد، لماذا ينظرون إلينا بإهتمام مخفي؟
شهرزاد: (مبتسمة) لأنك جميلة! 
سمرقند: (نظرت لأرض وقوفها) كُفي عن قول تلك الكلمة.. أنتِ تعلمين انني لست بجميلة! على عكسك أنتِ. لربما ينظرون إليكِ  و حسبتهم ينظرون إلينا معاً..
شهرزاد: لماذا تقولين هذا؟ ليس هناك إمرأة ليست جميلة. الحكمة في كيفية إظهارها ذلك. 
سمرقند: لا زالوا ينظرون و ينتظرون..
شهرزاد: كُفي عن ملاحظتهم! عندما تُلاحظين تتعبين.
سمرقند: لكن كل الأشياء تُتعب حتى إن لم نلحظها و هذا مُشين حقاً..، شهرزاد، ما الذي يجعلنا سعداء بحق؟ دون ان نتظاهر؟ أتعلمين؟
شهرزاد: عندما نتخلى يا سمرقند عن كل ما يجعلنا نشعر أننا غير كافيين، عندها نشعر أننا بحاجة ان نتغير، فنترك ما كان يمنعنا فنسعد. على ما أظن..
سمرقند: و شهريار؟ كان يمنعك؟ 

توقفت الناس من حولهم عن التكاثر في محيط تواجدهم و بقيتا لوحدهما في وسط طريقهم. توقفت شهرزاد و نظرت لسمرقند بإستغراب مُبهم. 

شهرزاد: شهريار لم يكن يمنعني، شهريار كان يمنع نفسه ان يمنعني. هذا ما كان هو عليه. لماذا تسألين؟

سمرقند: هو كان دائماً ما يتكلم عن غموضك و أنك سبب حياته و محورها، فتسألت عن ما إذ هو أيضاً كان يُشعر نفسه انه غير كافي لكِ..

شهرزاد: لا، لم يكن..

اكملوا طريقهما إلى بائعة القُماش و حولهم الناس من رجال و نساء و أطفال و سوق مزدحم بأنفاس ساخنة وسط الشتاء. كانوا ينظرون و ينتظرون نظرة من سمرقند او شهرزاد أم منهما معاً. لا أحد يدري. 

- سلمى أبوزيد.

Monday, June 30, 2014

8:31 AM - No comments

عتيم

لا زالت يديه ملطخة بالدماء السوداء على بياض قماش منقوش. لا زالت عروقه تنتفض لبقايا تاريخ لم يتركه ابداً. يراه و هو صغير يعبر طريق ليس به اول او اخر. يمتلك العالم بين يديه عندما ينظر في عينيه و يرى الدنيا! و حب الرجل لصبي من صلبه لا يفوقه حب في دنيانا. و القسوة مطلوبة بالطبع و معها بعض الاحتقار، لثوابت لا تهتز حتى و ان شاخ الصبي و علق في العقد الستين. الكلم الطيب يبقى في النفس علامة و لكنه سهل النسيان. اما جبروت يجرح و ينقض فوق قلب مفتوح؛ هذا لا ينسى. حب تملك مبهم مخلوط بسحابة كذب معلوم؛ هذا لا ينسى.
صرير و صرخات تدنو من إذن تكاد تصم! هذا لا ينسى... لا شيء من كل هذا يمكنه ان يترك روح تكاد تتشقق لتتناثر في أنحاء العالم. الظلم يؤذي و لكنه إذا كان من اقرب من لك في حياتك يكون مميت. و لا تتفرغ لإنتقام؛ انت غير مدرك الأحداث لسرعة تتابعها داخل عقلك، ارادتك شلت و حواسك لا تسمع أوامرك بالتحرك. هكذا كان هو؛ الصبي. ما عاش ليرى و ما تنفس ليتكلم بل نظر فابصر ما لم بحسه بفؤاده. و كان كلما نظر لأبيه يعلم ان الخطأ ليس ملكه و ان كل الأشياء تحدث لتتمكن أشياء اخري بالحدوث.

الناس كانت اكبر همه عندما يخطئ ابنه؛ كان اذا تأخر او يقول أعذار ليس لها أساس يصرخ في وجهه ليُسمع الجيران من حوله و يخبرهم عن مدى قوته و ان ابنه يعلم معنى العقاب. و الصبي لا يريد ان يفهم سبب غضب ابيه، هذا لا يهمه كثيراً. المهم ان ينتهي الصراخ عن أذنيه. و لانه لم يكن يستطيع غلقهما كان يغلق عيناه، و ينتظر بصبر فارغ إلا ان عقله كان يأخذه بعيداً. الى حيث أصدقائه و الألوان و الألعاب الكثيرة حتى يجدد ابوه انتفاضته عندما يصرخ اسمه و سؤاله ان كان يسمعه. و يجيب برأسه "نعم". 

تنطلق هذه الذكرى و غيرها الكثير في عقل الرجل عندما يبتسم بعد العام السادس لذكرى رحيل ابنه. ما كان لي حل اخر الا عقابه مراراً و مرارا؟ و كان هو يسمع و لا يفهم و انا كنت افهم و لا اسمع. لا اسمعه لا هو ولا احد من حولي. ان كانت الناس هي سبب لجوئي الي ذلك الأسلوب فأين هم الان؟ 

وجه وجهه الى سماء زرقاء تكاد غيومها تلامس ملامحه في صباح يتمنى له الخير و معه القلم الوفي الذي لا يتركه ابداً؛ كما الكمان للموسيقار و هو كان موسيقار بين الخطوط و الألوان. قلمه مليء بالحبر العتيم و يرقص على ورقه ليرسم طريق و سيارات كثيرة، و في المنتصف يرسم ابنه بابتسامة خائفة ترجو سماح ابيه لأنه تأخر في العودة
الى المنزل. يجري بين المارة و لكن السيارة تسبقه الى مصيره و يجد نفسه على الارض و يتأخر. تصبح العودة لا وجود لها الان، و الأهل و الناس و الألعاب تشاهد ذهابه الى شيء اكبر من ابيه و مكان لا يعهده من قبل. ادراك الوقت و قيم الانتظار لا تتحدى وقوف الزمن. فتقف ساعات العمر لترى حلماً يحتضر لينجى صاحبه من عتمة يوم قاتم. 

”الكل في واحد و الواحد هو الكل، الزمن ينقضي و يموت الذل. يطير الورق و يصبح رماد حتى تعيش عليه الطيور، و كل السنين و العمر يطول حتى يفوت في بعض شهور.“

سلمى ابوزيد

Saturday, April 26, 2014

10:43 PM - No comments

كفاكِ

كفاكِ بعداً، قال لي. و عندما سألته لما؟ لم يجب. فقط كررها؛ ”كفاكِ بُعداً“. و صمت. 

بقيت عينانا مترقبتان اي كلمات أخرى، لعلها تُهَون هذا الصمت المشبوه بالفراغ. و لكن لا شئ. فكان على إحداهما قطع تلك المسافة. و ذلك الانجذاب الوهمي. ففعلتُ انا. نظرت إلى ارض وقوفي، و رأسي تبعتني حتى لا تتركني أهوى ببصري دون رفيق. و هو لم تبارح عيناه مكانهما المسبق. إليّ تُحدق. و لا تقل اي شئ؛ اول مرة تكن عيناه فارغة و غير منتظرة رد مني. هي فقط لا تريد تركي؛ اعتادت هجري فمَّلت منه. و هو لم يملل مني أبداً. 

كل الأشياء حولنا إن تناثرت لن نشعر بها. إن اهتزت الأرض و انشقت لن نُبالي. او لعله هو لن يُبالي. ألم يدري اني لم اختر البُعد؟ لما قد يلومني على شئ هو بالأصل ليس اختيار؟ كأنه لم يشعر بي حوله إلا اليوم. اليوم هو اليوم و لن يتكرر. لن يتطور ليصبح الغد. الغد هو الغد و الأمس ذهب مع بقية أيام أمس. و هو لا يفهم. 

قربي إليك يفيض و بعدي عنك قريب..
 
حتى إن أراد ان يوقف الوقت او لا يشعر بشيء او احد غيري لن ينجح. قد حاول من حاول قبله و سيحاول من يأتي بعده. قد مر وقتٌ ليس بقليل الآن و هو لا زال، ما زال ناظراً مستنظراً ردي او رد فعلي او كلامي و ماذا بعد؟ 

كلامك ذهب عني و تركني وحيد..

سآتي إليك في المنام و ستحمي كل تلك الأحلام من الضياع إلا ان تلقاني و ليس هذا بإختيار. قال لي ان كل ما فات منَّا هو شئ لا يذكر. و انا اذكر ان الهواء تخلل بين جفوني و النور الذي كنت اترقبه من غرفة نومي هو الآن يراقبني. كما يترقب هو كل تحركاتي. لا بأس، هو سيعلم و سيقف عند معرفة قليلة توصله إلى عالم أخر؛ عالمي.

كم أريد بقائك معي..كم أريد..

اين أنتِ و لما لا تردين؟ كفاكِ بُعداً و كفاكِ. قال لي. 

Wednesday, March 12, 2014

ليست المسافات

في بعض الأحيان تُرى الأشياء صغيرة و لكنها في حقيقتها بعيدة. كُل بعيد هو صغير و لكن ليس كُل ما هو صغير بعيد. 

 اعلم أنه في حياته أخرى الآن. أعلم ان كل ما هو في هذا الحين هو إنعكاس لصورتها داخله. و اعلم أيضاً أني تمنيت ان أكون انا هي.

أن أكون انا كل نغمة يتلامسها على الپيانو بأنامله، فلا يفرغ من واحدة حتى يبدأ بأخرى. حينها لا انتهي داخل روحه أبداً. ليست حزينة؛ كل الأشياء. و لكن هو حولي رغماً عني.

كل ما حدث بيننا كان يوحي انه لي و لكنه أخطأ في التعبير، كما أظن. فعندما قال لي انه يحبها و لا يعلم ما إذ تحبه هي أيضاً، توقف قلبي حين توقف عقلي عن تدبير اي رد مُقنع، إلا الإبتسامة. فماذا يحدث لي؟ 

• رآني في أخرى حتى هربت
        وجدني و قلبي مهما بعدت
و حين أردت ان امضي لوحدي
        وقف و ابتسم حتى اقتربت •

فليفعل إذاً ما أراد. ليقل لها انها في قلبه و لا يذكرني لا بشر أو بخير. و انا ما علمت ان هذا يقتل. انا أيضاً سأكون بخير. سأبقى قريبة لأنسى، لأن النسيان لا يأتي بالبعد. فكم مِن بعيد لم ينسى حبيب حتى و لو بعد مرور السنين. ليست المسافات هي المقياس. بل إنقباضات الروح كلما نظر إليها.

Tuesday, January 21, 2014

ضَحِكوا

”ضحكوا“

فليكن إذاً.. سوء تفكير أو سوء اختيار أو سميه ما شئت. هذا لم يعد يهمني بعد ذهابها.
قد شهدتُ حكاياتٍ شتى و حياتي تكاد تقسم لي انها اكتفت بكل هذا الهراء. و لما انت هنا بالأصل؟ لتسخر مني؟ لتهزأ؟ على أية حال قد علمت انك تريد نصيبك في الضحك.. فالكل يطالب بنصيبه و لا يهم كيف. ما شأنهم كيف تضحكهم؟ المهم أنهم يتركون عقولهم و يأتون عندك بقلوب راجية النسيان البعيد. 

فلتفعل إذاً..، ها قد أتوا و انتظروا، فلما لا تخرج لهم؟ انت تسلبهم ضحكاتهم و هذا كل ما يملكونه الآن، بعد ان فات أوان الندم أو الرجوع إلى أشياء اختفت. لا تحزن، فانت ستضحك أيضاً معهم. و ان يكن فقط بوجهك و لكنك ستضحك. و بعدها ينتهي كل شئ. 

و تلك الألوان الباهتة على وجهك تُرغِم إبتسامة على فمٍ مُكَبَلٌ و ما لك مِن حيلة أمامهم. فلا انت هنا لتبكي و لا هم هنا ليواسوك. فلتفعل إذاً ما جئت من اجله. فهم يهللون و يصفقون بقدومك و هم لا يعرفون حتى إسمك. فاصرخ عند دخولك و لا تأبه بما يظنوه؛ سيضحكون على أية حال و يخال لهم ان صراخك هو جزء من العرض! 

’ضحكوا ضحكة التفت حولي
فرأيت حياتي من حولي
و سقط قناعي من هولي
حتى هرب كل قولي‘

ما عدتُ أريدها حياة إلا لأرى غيري يضحكون و قد اكتفيت من روحي عندما رأيت آخر إبتسامة لها و لم أرها ثانية. أخذتني معها و تركت ألواني على وجهي تُكمل ما تبقى لي من أيام أقضيها. و لكن أنا..أنا لست هنا. أنا معها.