Thursday, December 11, 2014

لا شيء.

يسبقها إحساس البرودة حوله ظلام يحتوي جسدها الضئيل على عكس عقلها الذي لا يحتويه شيء. تتأمل حياتها إلى هذه النقطة التي ما رغبت في خوضها مع نفسها. كُل الذي قيل و كُل الذي لم يُقال الآن في صياغ واحد. لم تكتفي برفض ما عانت في فترات سابقة متقطعة؛ بل كانت كل ليلة تتذكر ما حدث و قد قاربت الذكريات نفسها على التحلل لكثرة نبشها. 
يوم من ايام الحياة الذي هربت فيه و أتت بكل ما وجدت من شجاعة لتترك كل شيء خلفها. وجدت نفسها ترمي بكل الملابس الأنيقة على ارض الغرفة التي كرهتها طويلاً، و كل الأزياء الجميلة في حقيبة صغيرة للسفر البعيد. البكاء لا يفارق قلبها و لا يقرب من عينيها. الان لم يتبقى شيء. 

و تلك الذكرى بمشيتها الحادة على ارض مطار بلادها كأنها مع كل خُطوة تنتقم من كل يوم بشع، من كل ساعة ظلم و من كل شخص سيء. رأت أمامها كل الأشياء واحد؛ الأصدقاء و العائلة و الحبيب. 

الان لم يتبقى شيء. 

”صمت يعلمني بهروبي
أتيت لأخسر ابشع حروبي
ركضت في ارض واسعة
ظننتها ارض وجودي“

في يوم كان العالم كله ضدها، ففي منتصف عقدها الثاني، هربت منهم و من مشاكلهم عند اول فرصة عمل جاءتها ببلد أوروبية. ستكون غريبة هُناك تُحترم و يُنظر اليها بتقدير. فضلت ذاك على ان تكون في وطن يكن لها كل الغرباء في ارض، لا أول بها او آخر. 
فليكن الان و ليس الغد و ليس بعد سنين.


الان لم يتبقى شيء.

و فات من العمر الكثير اذاً و هي لم ترجع ابداً لتلك البلاد التي يسميها بعضهم الوطن. فأي وطن؟ و بأي حق بوطننا نبالغ و نغامر و نقتل و نحارب؟ لأي شيء؟ لتاريخ قد مات زعماؤه و نُسبوا إليه؟ اما نحن فليس لدينا نسب؛ نحن لا ننسب لشيء ابداً.

فالآن انتهى كل شيء.

سلمى أبوزيد.

Sunday, December 7, 2014

الشمس و الرمال

بماذا تفكرين؟ - قال لها
بعد سكوت للحظات اردفت:

أتعلم حينما تشم شيئاً او تسمع صوت حركة أمواج البحر و السمك في أعماق مياهه المالحة؟ هذه الحياة سخيفة حقاً، ليست كلها شمس و ليس ملمسها كملمس الرمال الناعمة. 

لم يفهم ما عنته و لن يفهم.. لما كل شيء غير متوفر في الأوقات التي نريدها و يذهب حين نريده؟ اعني كم من الوقت يجب ان ننتظر ليكون "كافي" و كم من الأيام نُحصي؟ أم انه لا يُحسب بالأيام؟ بالدقائق و الساعات، رُبما بعدد دقات القلب في كل مرة يخيب ظنه. هذا مُقنع.

- ماذا تعنين بالشمس و الرمال؟ 
- أهناك شمس غير شمسنا و رمال غير رمالنا؟
- لا أظن..
- إذاً سؤالك ليس له صلة
- و ماذا أيضاً؟ 
- ليس هُناك الكثير عنك في عقلي لأذكره.
- ماذا عن قلبك إذاً؟

صمت يُنشد نغمات التيه الغريب و يدعها تتذكر اي كلام حذق لتهرب من سؤاله الذي لا يَمَل منه. و لكنها لم تعرف هذه المرة. 

- لم تردي على سؤالي؛ ليس له صلة كما الذي قبله؟ ام ليس له إجابة؟ 
- تعرف الإجابة فما غرض سؤالك؟ 
- أُحب ان أُذكر نفسي. و ابتسم.
- انت لست بقلبي. و لن تكون. تذكرت الآن؟ 
اشاحت بنظرها كي لا تواجه عينيه و بقي هو يترقب اي شيء فيها يُشعره انها تكذب. و لكن صدقها كان أجمل ما فيها، فلم يعثر على أي شيء. 

لم ينطق بكلمة و نظر للسماء و هو ينفض الغبار من على ملابسه حين استقام من جلسته و نظر إليها رجوعاً، استعد لقول كل ما يجعله ارقى منها و يجعلها تبحث عنه -هو يعلم كيف- لكنه لم يفعل. ربما لأنه أخيراً شعر أنها لا تستحق معاناة اكثر من ذلك. 

- انت مُحقة؛ هذه الحياة سخيفة حقاً، ليست كلها شمس و ليس ملمسها كملمس الرمال الناعمة. 

لم ينتظر ردها و ذهب بعيداً إلى اللاعودة و أغلق عيناه حتى لا يرى ظلها و لا يتخيل وجودها وراءه و لم تعلم هي ماذا دهاه. 

Monday, December 1, 2014

4:11 AM - No comments

ما لم يعلمه بعد

يداه يحتضنان بعضهما و يسندان رأسه من الخلف كأنهما يمنعان الأفكار من الهروب. بينما يسترخي جسده في هدوء مُحبب في هذا الوقت من اليوم. 
أسئلة كثيرة تأتي و تذهب لتتركه هائم مع نفسه و تتلاشى نظرته من ذكريات مُشتتة لتتركز على صورته المنعكسة أمامه في المرآة. يعود ليحدق اكثر في الفراغ ليطفو سؤال في ذهنه؛ ماذا كنت افعل إن لم أكن خائفاً؟. لاحقته الفكرة تليها الأخرى ثم ما يبقى في ذهنه من شتات لا معنى له. 

اليوم لا يستطيع البقاء في ذهنه لكل هذا الوقت؛ لابد من الإستيقاظ من الحلم الزائف الذي يعيش خلاله كل يوم على مدار سنتين الآن. الحياة بالنسبة له لا تتعدى التأقلم مع كل ما و من حوله بشكل روتيني لا يتفكك. لم يعد يهتم بماذا يحدث حوله و لم يعد يهمه ان يُغير العالم بعد الآن. لا يريد ان يعود الى زمن لم يكون فيه سعيداً و في نفس الوقت، لا يعلم ماذا ينتظره. حالة من اللامبالاة تستحوذ على عُمره و لا يُلاحظ ما يفوته.
يتسآل ما إذ سيتمكن من إستكمال ما تم إبتدائه. 

أخذ يُراجع قراراته كأن هذا سيخرجه من اللاوعي الذي يغرق فيه، او كأنه سيعلم كيف يعود. ماذا كنت ستفعل إن كنت تعلم انك لن تكون سعيداً جداً الآن؟ الحياة لا تتقدم حقاً، هي نمط واحد غير متغير. الحياة لا تؤذينا؛ كل ما يؤذينا هو ما نحس بخلاف ما نفعل. فإن كان القرار هو عدم التصديق؛ حسناً إذا، لن نصدق. كيف يحدث كل الخطأ فجأة في الوقت الصحيح المرغوب، بينما كل شيء نريده يأتي في أسوأ الأوقات؟ هذا ما لم يفهمه ابداً.

اعتدل في جلسته و رأسه تنزلق بين كفيه ليرغم عقله بالإستسلام لعدم التفكير المجهد. ساعده خفوت النور المائل للظلمة في غرفته على ذلك. لازلت اذكر كيف كانت، و كيف تضحك و تغضب. و لازلت اذكر أيضاً كيف قررت انا الإبتعاد؛ كأن تذكري هذا سيغير اي شيء. ياليت الأشياء تتغير عندما نتذكرها. لكن هذا لا يحدث حقاً. 

لماذا هذا الإحساس باليأس و الفقر إلى شيء اكبر يجعلنا نشعر بأننا نمتلك العالم بيدٍ و نُغيره باليد الأخرى؟!. سكن لبعض الوقت ثم أردف؛ إن كنت لازلت أراها معي لكنت تكلمت و قلت ما كانت تريد سماعه دائماً مني. لكنت استسلمت لقلبي و تركت عقلي يتألم حين تظاهر بعدم الإرتياح لقراري! و لو كنت أملك من الوقت كفايةً لكنت بقيت. 

هي أرادت أشياء، أشياء لا تُطلب. و هو لم يفهمها حتى و إن رآها في عينيها و احسها في صوتها. و كان دائم الانتظار لأي شيء يفصل ما بينهما -أياً كان هو- ليتخلص من إحساس الخوف الثقيل. 

 ماذا تفعل؟ إن كان اليوم هو يوم زفافها، ماذا تفعل انت هنا تُفكر فيما كان؟ أي شيء تنتظره انت او تتوقعه؟ قد ذهبت كل الأشياء التي تمنتها هي عندما اختفيت انت، فكفى. 

لم يعد إسترسال الماضي يفيد بشيء و حتى سلامه الداخلي لم يعد موجوداً كما السابق. فماذا بقي له؟
لم يعني له اي شيء اي قيمة او منطق إلا حين كان يغمض عينيه و يحس بالأنتصار الذاتي. هو أحب النور الذي كان يجده بقوة في أحيان و أحيان أخرى لا يجده؛ لكن لم يفقد الأمل ابداً حينها. فماذا حدث؟

قد طال إستيقاظه الليلة و طال التفكير لساعات، تعب من مجهود لم يوصله إلى أية نتيجة مرجوة فاكتفى بالإنزلاق و الإختفاء بين ثنايا الغطاء، و أغمض عينيه عن كل شيء و عن اي شيء. فالآن لم يعد يهتم بشيء. 

سلمى أبوزيد.