Sunday, June 21, 2015

3:24 PM - No comments

نيران دليلة

في زمن الهواء و النسيم، كان يعيش بعيداً حكيم يدعى "سَليم الجريح"، سُمي بالسليم لأنه ما أصابه سوء قط من داخل نفسه، و بقي فقط جريح من خارج نفسه و روحه؛ جسده يتألم لكبر سنه و ما فعلت به الأيام حينا. و كان هُناك طفل في السابعة يهوى اللعب بطائرته الورقية التي هي على شكل غريب ضخم، لها ما يُشبه الأشرعة للسفينة و ما يتدلى من حبال و ألوان، كان يظن الطفل ان لها قوى سحرية؛ فعندما ينطلق بها في الهواء كانت تدله على أماكن غريبة لم يذهب إليها بشر قبله. تلك الطائرة الورقية كان لها اسم اختاره لها الطفل و هو 'دليلة'، لأنها كانت تدله على ما لم يتصور من قبل. 

في يوم من الأيام، أخذ الطفل دليلة و انطلق ليبحث عن مغامرة جديدة، بأماكن جديدة و روائح و ألوان عديدة. رغم ضخامة ما كان بالطائرة دليلة إلا ان وزنها كان خفيف جداً في أيدي الطفل، أمسك بها و قذفها بعيداً جداً في السماء فوجدت مكانها بين السحب في الحال. تبعها الولد كما يفعل في كل مرة، بين الأشجار العملاقة في الغابات و بين تلك الواحة و غيرها من واحات، صعد ما صعد و هبط ما هبط ثم استقرت دليلة و توقفت. وجد نفسه أمام كهف غريب، لا يظن ان هناك احد يسكنه، تقدم خطوتين للأمام و بحذر شديد دخل الكهف. 

جاءه صوت عميق يقول: ماذا تفعل هُنا يا عاصي؟
لم يرد الطفل و هلع خارج الكهف و تلعثم في الخروج منه فترنح و سقط على رأسه و غابت عنه الدنيا و دليلة معاً.

عينٌ تُفتح بهدوء و ثقل إثر السقطة، يكتشف ما حوله بحذر بالغ، فوجد انه على سرير و نور خافت يحيطه من كل ناحية بالشموع القديمة، و رأسه لا تزال تؤلمه. قال في وهن؛ دليلة!، و بحث بعينيه حوله فلم يجد غايته، فشاء ان يصرخ لكنه سرعان ما هبط ثانية في نوم عميق جداً.

أخذ سليم الجريح يقلب دليلة في يده ليعرف اي الأسرار تحمل لتأتي بولدٍ في السابعة كعاصي إلى كهفٍ لم يعرفه احد غير هذا العجوز الجريح، و لما قد يأتي إلى هنا؟ سمع سليم صوت عاصي و هو يتألم و يُكرر اسم دليلة و لم يعلم من هي تلك التي يكرر اسمها مراراً فظن انها أمه. أفاق عاصي و رأى سليم يأتي له بكوب ماء فأخذه الطفل و نظر للحكيم و قال؛ من انت؟ ابتسم سليم و قال؛ انت الذي في بيتي فماذا جاء بك إلى هنا؟ صمت عاصي لوهلة ثم سأله؛ عذراً، جئت هنا بالخطأ و سأذهب الآن، هَمّ بالرحيل سريعاً حين سأله الحكيم؛ من تكون دليلة؟ سكن عاصي للحظات ثم أردف؛ علمت إسمي دون قولي لك فلما هو صعب عليك معرفة هوية دليلة؟ لم ينتظر منه رد و غادر الكهف ركضاً و هو يبحث عن طائرته فأخذها في يديه و لكنه لم يستطع ان يحملها؛ أصبحت ثقيلة جداً عليه، حاول مراراً على ان حتى يجرها ورائه لكن لا فائدة، جاؤه سليم و تأمل مُحاولته الفاشلة في استرجاع طائرته الورقية و هو يصيح بها: هيا يا دليلة!! يجب ان نذهب الان! فتقدم منه العجوز و قال؛ دعني أساعدك، فرد الطفل بوقاحة؛ انت مريض هزيل لا تستطيع حتى مساعدة نفسك! ابتعد عني! و استمر عاصي بالمحاولة حتى نُهكت قواه الضئيلة. فقال في يأس و حزن؛ لماذا لا تطيرين يا دليلة؟ ألا تعرفيني؟ أرجوكِ طيري و دُليني على طريقي. مع نسمات نادرة همست للطائرة، تحركت من مكانها بين يدى عاصي و ذهبت بجوار سليم، نظر لها سليم و أمسك بها فإذا بوزنها يكون كالريشة بين يدى العجوز الهالك، صدم عاصي لما رأى، و لم يفهم.
تحرك إلى الحكيم و سأله بإستعجاب مقتطب؛ كيف يا عجوز؟ فرد عليه بفتور؛ إن لهذه الطائرة الورقية قوى سحرية تُميز من يستحقها؛ تذهب لذوي الضعف الجسدي لتجعلهم يظنون بقوة خفية بعد خسارتهم لكل انواع القوى المتبقية. فلا أنت شابٌ و لا أنا أيضاً، لذلك تذهب دليلة إلى من يستحق السعادة و لا تنتمي ليدِ احد ابداً؛ فكلما وجدت طفل او عجوز تكون بين يديه مطيعة خفيفة غير مؤذية. تذهب به إلى اماكن عدة، لذا لم تكن انت اول طفل يمسك بها و لا انا اخر عجوز تختارني، سمعت عنها الكثير في الكتب، لكني لم ابحث عنها، لأنها إذا تركتك تُشعل فيك نيران كثيرة؛ نار الغيرة و نار الفراق و نار الحزن أيضاً.
سكت عاصي لبرهة، لا يعلم ما العمل الآن، نظر إلى ارض قعوده ثم الى سليم الجريح و هو يبتسم و يستكشف طائرته الورقية الجديدة؛ دليلة. 

- سَلْمَىٰ أبُوزِيٓدْ 

0 comments:

Post a Comment