Thursday, November 27, 2014

نبض

اسمها يعلو شاشته الصغيرة و اخر كلام له منها يقف معه الوقت. تتثبت عيناه عندما يقرأ ما قيل له ليلتها، و تنتظره هي و رده الذي لا يبدو أنه سيأتي سريعاً. في زماننا هذا تنتقل الكلمات بسرعة فائقة ليس كما عهدنا او عهد آبائنا من رسائل بريد تُرسل عبر الأنهار و الصحارى لتصل لعيون تشتاق لحروف غابت طويلاً. 

علامة الكتابة في هاتفه المحمول "الذكي" تقف مكتوفة الأيدي لا تتحرك إلا بنبضات لانهائية كما قلبه. نعم.. لطالما نبض لها قلبه و كاد ان ينطلق من بين ضلوعه ليذهب إليها متضرعاً بين ذراعيها ليحتمي و لا يتركها ابداً. و ها هي كلماته تقف ثانيةً و لا تتحرك من مكانها المُعتاد؛ عقله. 

- لا زلت هُنا؟..

- نعم.

- إذاً؟! لم تقُل لي ما جوابك.

-ألم تعلمي بعد؟ ظننتُ أني كُنتُ واضحاً هذه المرة.

- لا، لم تقل شيئاً بعد.

أحقاً لم يفعل؟ لم يقل لها بكل ما أوتي من قوة و عزيمة و صبر أنه يريدها هي؟ أيعقل ان تكون هي صماء لا تسمع و لا ترى بعين القلب؟ 

لم يرُد عليها و اكتفى بعدم الكلام في الوقت الراهن. 

- ها أنت تختفي ثانية! و لا تُساعدني!

ابتسم نصف إبتسامة لا تدل على شيء، مُستحيل ان تكون بذلك الغباء.. و إن كانت، فلماذا يُحِبُ غبية؟ 

- قولي لي، من يختار الآخر، نحن أم قدرنا؟

سكتت لبرهة تُحاول ان تجد إجابة تُرضيه لتظهر أمامه بصورة الفهم المُعزز فيها. ماذا؟ و لماذا؟ لما لا تقدر ان تقولها له هكذا؟ ماذا تقصد يا مجنون؟ و لماذا تُصر على فعل كل هذا؟ لما لا تجاوبني و ننتهي من هذا النقاش الغريب المريض إلى الأبد! 

- لا أعلم..

- حتى و إن حاولتي؟ اعني ماذا ننتظر نحن من العالم حقاً ان يُعطينا؟ ام نحن لا يجب ان ننتظر أصلا؟

لم يكن هذا الهراء الذي قاله له هو ما أراد قوله حقاً. صادق كان مع كل من حوله إلا هي. هي بالذات. فكتب: حتى و إن حاولتي؟ ان تفهمي ماذا انا لكِ او ماذا اعني لكِ؟ كيف أعيش بكِ و خلالكِ؟. ثم محى ذلك بالطبع؛ لأنه لا ينفع بشيء ذلك الكلام. 

- لماذا لا تجاوب سؤالي و كفى؟ لما العقد الغريبة؟

- أنت على حق..

نبضت علامة الكتابة و خُيل له انها تبدو اسرع الآن؛ ام انه قلبه الذي يُسارع معها ليسابقها و يتمنى ان يفوز بحُرية الكلام المطلق؟! 

انتظرت هي إجابته و تنظر إلى إسمه الذي طالما أحبته. لكن هذا كان منذ زمن و الزمن لا يعود. ترى انه ما رآها قط مع أنه كان دائماً ما يشرد و هما معا. و لم تعلم السبب ابداً.

انتظر و كتب ما عليه كتابته او ما تريد سماعه منه ليُنهي ما تبقى او يبتدئ ما يُولد أمامه. 

- كل هذا تفكير! ظننت القرار ليس بالصعب ابداً كما قُلت لي.. 

صمتت الحركات حوله و أغمض عينه ليجمع شتات تفكيره ثم كتب:

- نعم، يجب ان تقولي له. قرارك صحيح؛ رأيي هو ان طالما أنتِ ترينه من يجب ان يكون في حياتك دائماً فعليكِ ان تذهبي و تجعليه يراكِ أيضاً..

سكنت في مكانها و قرأت كلامه بعض المرات و اردفت: 

- لطالما كنت أنت عقلي الذي أفكر به، شكراً! 

و لطالما كنتِ انتِ قلبي الذي أعيش به، شكراً.. 
لم تُكتب تلك الجملة بالطبع و لم تُكتب أي كلمة بعدها..

سلمى أبوزيد

Thursday, November 13, 2014

7:37 AM - No comments

شهرزاد؛ سمرقند. (٢)

بعد صمت يقطعه حفيف أرجل مُتعبة من المشي، جاء صوت سمرقند بسؤال كان متوقع نوعاً ما.

سمرقند: كيف لم يكن يكفي وجود شهريار لكِ؟! 
شهرزاد: لا ادري ما سبب اهتمامك به او بهذا الموضوع تحديداً بهذه الطريقة الغريبة صراحةً.
 
احست سمرقند انها تدخلت في خصوصيات شهرزاد بما يزيد عن حقها، فاكتفت بالنظر إلى أسفل و التظاهر بالإنكسار. صمتها جعل شهرزاد تواصل حديثها قائلةً؛

شهرزاد: حسناً، سأحكي لكِ ما أراه و جزء مما قد حدث و لا تطمعي بأكثر من ذلك! 

ابتسمت سمرقند و أحست انها على حافة الدخول لتاريخ من سمعوا قصص و روايات "شهرزاد" و أنصتت جيداً بعد قولها: انا فقط أريد ان اعلم وجهة نظر شهرزاد العظيمة في شهريار الملك المستبد الذي اصبح اضعف الضعفاء على يديها. 

تبسمت شهرزاد و أحست بشيء من الكبرياء و عزة النفس لكنها لم تُظهر ذلك و أردفت:

- لم يكن هُناك شيء مُميز في شهريار حينها؛ عانى كثيراً ليعرف من أكون، و لم يكن مُقتنع بشيء أقوله ابداً. فجُن لعدم علمه بحقيقة ليس لها وجود او اصل.
كان الملك الذي يذبح العذارى كل صباح و أضحى مقتول دون أدنى مجهود مني. لم أسحره إلا بغموضي الذي لم انويه إلا لحماية نفسي. و هذا كل ما في الأمر. 

سمرقند: لم تقولي لي لما لم يكن كافِ؟ 

ضحكت شهرزاد فزاد جمالها أضعافاً و قالت: و كيف يكفيني رجلٌ مجنون؟!! 

ابتسمت سمرقند ابتسامة هادئة حين قالت بعد صمت قصير: أنتِ على حق؛ كيف يكفي شهرزاد رجلٌ مجنون..بها؟ 

استبقتها بخطوات تليها فكرة انتصار على أفكار شهرزاد العظيمة لتتركها هائمة لشيء لا تعلم عواقبه.

- سلمى أبوزيد

Friday, November 7, 2014

1:05 AM - No comments

شهرزاد؛ سمرقند.

كنت أتخيل أن العلم بالأشياء لا يكون بهذه الفظاعة و عدم التخلي عن الأحلام البسيطة قد يتركنا آملين. و يأتي يوم يجعلني أتمنى لو أني في مكان آخر في عصر آخر و وقت مختلف. تتبقى الذكريات واحدة تلو الأخرى و العمر لم يتبقى منه مثلما راح. فأرى من ذهبوا و من أتوا و من يذهبون و من يتركون جراحهم في الهواء الطلق لتنزف حتى الإحتضار. تعلمت الكثير في وقت قليل و تبقى لدي شُكوكي. 

كانت هي، تتلوى جزيئات تلمع في عمق عيونها الغجرية لا هي زرقاء و لا خضراء بل بُنية شديدة الغموض. ترى ما تفعله الرجال حول وجودها و اضطراب عيونهم حين ينظرون إليها بشفقة التطفل الغريب لمتسول يرجو العفو. و صديقتها سمرقند لا تتحرك إلا في حماها.

شهرزاد: ما بكِ يا سمرقند؟ لستِ على ما يُرام اليوم..
سمرقند: لا شيء، فقط هدوء الرجال حولنا يُشعرني بعدم الإطمئنان لوهلة..
شهرزاد: هدوء الرجال؟ ليس هُناك رجل هاديء يا سمرقند، لكن التظاهر نعمة لا يدركها إلا القليل! 
لا تتركيهم يخدعون عينيكِ الصافيتين البريئة.
سمرقند: ما بال البراءة يا شهرزاد؟ أليست ما تجعل الحزين يفرح و الكئيب يتشبث بأمل؟
شهرزاد: لا، ليست هي. لابد ان تعلمي ماذا تعطين لكل من يطرق طريقك، لا تُعطي الكثير لمن يستحق القليل و لا تُفكرِ بقلب تائه أبداً، لا تبدأي بإستراق النظر للشخص الخطأ يا سمرقند. فهذا يُحزن.

الناس من حولهما تتفوه بهمس مسموع يجعل مرمى سمعهما يجمع الكثير من الكلمات المرغوبة و الغير مرغوبة. عين و أذُن و ألسنة كثيرة. الهواء الهاديء الخفيف يترجى أنفاساً ان تستمر بالرقُود.

سمرقند: شهرزاد، لماذا ينظرون إلينا بإهتمام مخفي؟
شهرزاد: (مبتسمة) لأنك جميلة! 
سمرقند: (نظرت لأرض وقوفها) كُفي عن قول تلك الكلمة.. أنتِ تعلمين انني لست بجميلة! على عكسك أنتِ. لربما ينظرون إليكِ  و حسبتهم ينظرون إلينا معاً..
شهرزاد: لماذا تقولين هذا؟ ليس هناك إمرأة ليست جميلة. الحكمة في كيفية إظهارها ذلك. 
سمرقند: لا زالوا ينظرون و ينتظرون..
شهرزاد: كُفي عن ملاحظتهم! عندما تُلاحظين تتعبين.
سمرقند: لكن كل الأشياء تُتعب حتى إن لم نلحظها و هذا مُشين حقاً..، شهرزاد، ما الذي يجعلنا سعداء بحق؟ دون ان نتظاهر؟ أتعلمين؟
شهرزاد: عندما نتخلى يا سمرقند عن كل ما يجعلنا نشعر أننا غير كافيين، عندها نشعر أننا بحاجة ان نتغير، فنترك ما كان يمنعنا فنسعد. على ما أظن..
سمرقند: و شهريار؟ كان يمنعك؟ 

توقفت الناس من حولهم عن التكاثر في محيط تواجدهم و بقيتا لوحدهما في وسط طريقهم. توقفت شهرزاد و نظرت لسمرقند بإستغراب مُبهم. 

شهرزاد: شهريار لم يكن يمنعني، شهريار كان يمنع نفسه ان يمنعني. هذا ما كان هو عليه. لماذا تسألين؟

سمرقند: هو كان دائماً ما يتكلم عن غموضك و أنك سبب حياته و محورها، فتسألت عن ما إذ هو أيضاً كان يُشعر نفسه انه غير كافي لكِ..

شهرزاد: لا، لم يكن..

اكملوا طريقهما إلى بائعة القُماش و حولهم الناس من رجال و نساء و أطفال و سوق مزدحم بأنفاس ساخنة وسط الشتاء. كانوا ينظرون و ينتظرون نظرة من سمرقند او شهرزاد أم منهما معاً. لا أحد يدري. 

- سلمى أبوزيد.