Monday, June 30, 2014

8:31 AM - No comments

عتيم

لا زالت يديه ملطخة بالدماء السوداء على بياض قماش منقوش. لا زالت عروقه تنتفض لبقايا تاريخ لم يتركه ابداً. يراه و هو صغير يعبر طريق ليس به اول او اخر. يمتلك العالم بين يديه عندما ينظر في عينيه و يرى الدنيا! و حب الرجل لصبي من صلبه لا يفوقه حب في دنيانا. و القسوة مطلوبة بالطبع و معها بعض الاحتقار، لثوابت لا تهتز حتى و ان شاخ الصبي و علق في العقد الستين. الكلم الطيب يبقى في النفس علامة و لكنه سهل النسيان. اما جبروت يجرح و ينقض فوق قلب مفتوح؛ هذا لا ينسى. حب تملك مبهم مخلوط بسحابة كذب معلوم؛ هذا لا ينسى.
صرير و صرخات تدنو من إذن تكاد تصم! هذا لا ينسى... لا شيء من كل هذا يمكنه ان يترك روح تكاد تتشقق لتتناثر في أنحاء العالم. الظلم يؤذي و لكنه إذا كان من اقرب من لك في حياتك يكون مميت. و لا تتفرغ لإنتقام؛ انت غير مدرك الأحداث لسرعة تتابعها داخل عقلك، ارادتك شلت و حواسك لا تسمع أوامرك بالتحرك. هكذا كان هو؛ الصبي. ما عاش ليرى و ما تنفس ليتكلم بل نظر فابصر ما لم بحسه بفؤاده. و كان كلما نظر لأبيه يعلم ان الخطأ ليس ملكه و ان كل الأشياء تحدث لتتمكن أشياء اخري بالحدوث.

الناس كانت اكبر همه عندما يخطئ ابنه؛ كان اذا تأخر او يقول أعذار ليس لها أساس يصرخ في وجهه ليُسمع الجيران من حوله و يخبرهم عن مدى قوته و ان ابنه يعلم معنى العقاب. و الصبي لا يريد ان يفهم سبب غضب ابيه، هذا لا يهمه كثيراً. المهم ان ينتهي الصراخ عن أذنيه. و لانه لم يكن يستطيع غلقهما كان يغلق عيناه، و ينتظر بصبر فارغ إلا ان عقله كان يأخذه بعيداً. الى حيث أصدقائه و الألوان و الألعاب الكثيرة حتى يجدد ابوه انتفاضته عندما يصرخ اسمه و سؤاله ان كان يسمعه. و يجيب برأسه "نعم". 

تنطلق هذه الذكرى و غيرها الكثير في عقل الرجل عندما يبتسم بعد العام السادس لذكرى رحيل ابنه. ما كان لي حل اخر الا عقابه مراراً و مرارا؟ و كان هو يسمع و لا يفهم و انا كنت افهم و لا اسمع. لا اسمعه لا هو ولا احد من حولي. ان كانت الناس هي سبب لجوئي الي ذلك الأسلوب فأين هم الان؟ 

وجه وجهه الى سماء زرقاء تكاد غيومها تلامس ملامحه في صباح يتمنى له الخير و معه القلم الوفي الذي لا يتركه ابداً؛ كما الكمان للموسيقار و هو كان موسيقار بين الخطوط و الألوان. قلمه مليء بالحبر العتيم و يرقص على ورقه ليرسم طريق و سيارات كثيرة، و في المنتصف يرسم ابنه بابتسامة خائفة ترجو سماح ابيه لأنه تأخر في العودة
الى المنزل. يجري بين المارة و لكن السيارة تسبقه الى مصيره و يجد نفسه على الارض و يتأخر. تصبح العودة لا وجود لها الان، و الأهل و الناس و الألعاب تشاهد ذهابه الى شيء اكبر من ابيه و مكان لا يعهده من قبل. ادراك الوقت و قيم الانتظار لا تتحدى وقوف الزمن. فتقف ساعات العمر لترى حلماً يحتضر لينجى صاحبه من عتمة يوم قاتم. 

”الكل في واحد و الواحد هو الكل، الزمن ينقضي و يموت الذل. يطير الورق و يصبح رماد حتى تعيش عليه الطيور، و كل السنين و العمر يطول حتى يفوت في بعض شهور.“

سلمى ابوزيد

0 comments:

Post a Comment