Friday, July 19, 2013

4:50 AM - No comments

جميلتي

كنت كلما نظرت إليها، كأني أنظر إلى السماء و صفائها بلونها الموحد؛ الأزرق. أزرق كسهل مياه لم يلمسه أحد بعد ليعكر نقاؤه و صفاء براءة وجوده. كلما قررت أن أضع رأسي على وسادتي و أنام، أتمنى ان تأتيني هي لتحلم معي بنا و لا أحد غيرنا، إلى الأبد.

لم تكن معي لأقول لها هذه الكلمات التي اعرف أنها ستكون "مبالغ فيها" في نظرها. لم تتوقع مني انا بالذات ان اتفوه بترتيب هذه الحروف المنظم و الذي لها فقط. فأنا لم اعلم أنها ستكون هكذا في قلبي. و لم اعرف اني سأتلاشى في نظرها يوم بعد يوم. 

كلما جلست وحدي و لا أحد حولي غير دخان متناثر متصاعد من سيجارتي الأخيرة من كل ليلة، تأتيني ذكرياتي معها و صورتها تتكون أمام عيني و لا افعل شيئا سوى الابتسام الخفيف غير الملفت للسعادة و غير المائل للكآبة. فأنا لست حزينا و لست سعيداً جداً أيضاً. فكل المعاني في عقلي لها مرادفات غير معنية و غير ناضجة أو كاملة. فالكمال ليس شيئاً واقعياً، حتى هي لم تكن كاملة؛ بل كانت فقط جميلة. 

و عندما أتذكر جميلة لا أتذكر اي شخص اخر سواها حتى نفسي. و كنت لا أطيق ان يقاطعني احد و انا افكر في ابتسامتها و أحييها بابتسامتي الضعيفة. و إن لم تعلم.
هي لم تراني مبتسماً، غير أني كنت أتحاشى غضبي و حزني عندما أراها؛ فكيف تراها عيني و يرضى عقلي بأن يحزنها، ليس عدلاً.

جاءت إلى دنياي عندما التفتت إليِّ في محطة القطار و عندها، في تلك اللحظة بالذات توقفت عن التنفس و ذهبت عني روحي و ولدتُ من جديد. كأنها أعطتني جزء من روحها ليحييني، ليحيي عقلي الميت من التفكير و جسدي البالِ من الهم و قلة النوم، و لكني لن أنام بعد اليوم -هكذا قلت لنفسي- فكيف أنام و اذهب إلى مكان خالٍ منها؛ جميلتي. و عاهدت نفسي ان تكون لي ما دمت انا لها و على قيد هذه الحياة. حتى ينتهي وقتي هنا.

علي الإقرار أني حاولت جاهداً ان احفظ ذاك الوعد الذي عاهدت نفسي. و لكني فقط لم اعرف عواقبه أو كيف اصل اليه بدون انتظار الفرص و الحظوظ التي تأتي للإنسان بلا شيء غير خيبة الأمل و انتظار المجهول. و كان مصيري محدد من قبل تفكيري به و اختياري لمستقبلي هو خيار مستقل و لكن له حدود و وقت و يلزم التفكير الدقيق. و انا لم املك الوقت، أو الكثير منه. 

قيل لي ان من يحب و يهوى لا يستطيع اختلاق اعذار للفراق أو البعد. فعندما قررت هي تركي لأني لم اعد أراها كالسابق لم يكن هذا هو السبب. لهذا، كانت تعود إلي كل مرة فيها نفترق و نزعم على البقاء بعيدين. 

فأنا كنت أراها في كل وجوه المارة و كل عيون الصامتين. و كنت أخشى الكلام عنها إلا في قرارة نفسي عندما أتأكد ان لا احد يسمعني.
بما فيهم هي. 

                         •••

في صباح يوم لا اذكر أي الأيام كان و صلتني هدية؛ رسالة منها. نظرت إلي محتوى الرسالة دون التمعن في الكلمات و الجمل ثم قررت قراءتها كلمة كلمة مع القهوة و البندق. 

عزيزي و سبيقي إلى قلبي مني،

علمت انك لا تتكلم و لا تزور أحدا من أقاربك أو أناس تعرفهم في حياتك كانوا. لم أخشى في حياتي لحظة كهذة و انت غير مبالي بالتغيير الذي يحدث حولك و الذي انا جزء منه. ألا تلاحظ ان سبب بعدنا هو انت و تصرفاتك و عدم اكتراثك لأي شيء؟ هل ستبقى حبيس نفسك و سجين أفكارك؟ ألن تتحرر يا من لم تكن أبدا بمسجون؟. فأنا ما علمتك إلا ثائر و كنت دائم الثورة على نفسك و ما تحملك على فعله. ماذا حدث لك؟ ماذا حدث لبطلي؟. إذا أردت ان تراني فأعددت خمسة أيام و ليلة ثم تلقاني في المكان الذي تحبه أنت و تذهب فيه للسكينة، فكما كنت تقول لي، أنا سكينتك. 
                                                 مع حبي
                                                    جميلة 
                    •••           •••           


قرأ الرسالة أكثر من مرة ليتأكد انها مصحبة بأسمها بأسفل الورقة. و أنه لا يتخيل أو لا يحلم. 
ماذا يفعل الآن؟ أيبعث لها برده؟ أيلقاها في المكان و الزمان التي حددته؟ أم فقط يتحاشاها؟

ذلك المكان التي كانت تتكلم عنه، يحوله أشجاراً أبدت هي إعجابها بها فبادلها الإعجاب و لكن بجمالها هي و ليس الأشجار. فكلما كان يذهب هناك بدون وجودها معه، كانت هذه الذكرى لا تتركه أبدا، فكان يعيش ألف مرة في ألف دقيقة و هي تحمل ابتسامة لا تحملها غيرها و لن يعرف هو غيرها. 

”لا نعرف أهمية ما بأيدينا إلا عندما نهجره و نعلم انه لن يعود إلينا مرة أخرى“ 

كانت هذه الكلمات الأخيرة التي كتبت على ظهر ظرف مغلق أُرسل إليها صباح اليوم التالي. ابقت عيناها على تلك الكلمات محللة كل حرف على حدا لعلها تخمن محتوى الرسالة قبل ان تفتحها و تبدأ قراءتها بتمعن و تركيز. 

جميلتي، 

لا افكر في شىء الآن إلا قمة حزني و اشتياقي الغير مرغوب فيه تجاهك. لعلك كنتي ترجين ان اذهب إلى الغابة أو اسكن إليك؛ فكلاكما واحد بالنسبة إلي. كنت أتردد على ذلك المكان من حين إلى آخر، و في آخر مرة وجدته يبدأ بالذبول و الاستعداد لاحتضان موتاً قد تأخر كثيراً ليصل إليه. هُجِر و لم يعد هادئاً كما اعتده؛ بل مظلم و بدا غير مُرحب بي، تماماً مثل قلبك. و تذكرت تلك المرة التي قلتي فيها ان انتظر حتى يأتي وقتنا المناسب. و لكنه لم يأتِ قط و ظللت انا منتظر. بينما يذبل قلبك و يموت حبنا. و راح عمرنا في الطريق الذي يطول فيه انتظار كل من وثق في وعده و صان العهد و لكنه نُكث. و اصبح لا يصلح إلا لسرد القصص الخيالية و الأساطير. 

فليبقى إذًا كل شىء مجرد أسطورة ليست نهايتها النصر بل قصر مهجور ليس به من يسكنه أو يسكن إليه. مثلي أنا. 

                                             وداعاً طيباً
•••

و لأن الحب هو ما يأتي بعد أشتهاء مرير، لا يصح ان نحصل عليه بسهولة أو بسرعةٍ مُفقِدة لذته و احتواء معانيه التي تجعلنا أحياء. 
و يبرر البعض أشياء لا تُبرر بحُكم انه لا يوجد تفسير أخر أو مقنع نسبياً.

بعد الذي حدث يفترض ان تتحاشى هي كل ما يقربه إليها و ان تكتفي بالانتظار لمن قد يأتي دوره بعده، أو من ينجح في اختبارات قلبها.

و لأول مرة لم يصح قلبها باسمه، و لم تتشوق لمعرفة أخباره. فهل تزوج؟ هل له أولاد؟ و اين هو الآن؟ لعلها أسئلة بلا إجابة. لعلها أيضاً بلا نهاية، مثل حكايتهما تماماً. 

الوقت لا يكن أبداً في صف من يريده. و هما لم يكن يحتاجا إلا له. فهرب منهما، مثل طفل صغير لا يطيق الانتظار معك إلا إذا أعطيته لعبة يشغل بها وقته لأنك لا تسليه كفاية و هو لن يستمتع و هو منتظر معك دون ان يلهو. 

هي علمت ذلك بيقين ذكي. و لكنها لم تكن معها اي شىء كلعبة لتعطيها للوقت غير عمرها. و ذبلت تلك لعبة منها حتى صدأت.