1:05 AM -
No comments


شهرزاد؛ سمرقند.
كنت أتخيل أن العلم بالأشياء لا يكون بهذه الفظاعة و عدم التخلي عن الأحلام البسيطة قد يتركنا آملين. و يأتي يوم يجعلني أتمنى لو أني في مكان آخر في عصر آخر و وقت مختلف. تتبقى الذكريات واحدة تلو الأخرى و العمر لم يتبقى منه مثلما راح. فأرى من ذهبوا و من أتوا و من يذهبون و من يتركون جراحهم في الهواء الطلق لتنزف حتى الإحتضار. تعلمت الكثير في وقت قليل و تبقى لدي شُكوكي.
كانت هي، تتلوى جزيئات تلمع في عمق عيونها الغجرية لا هي زرقاء و لا خضراء بل بُنية شديدة الغموض. ترى ما تفعله الرجال حول وجودها و اضطراب عيونهم حين ينظرون إليها بشفقة التطفل الغريب لمتسول يرجو العفو. و صديقتها سمرقند لا تتحرك إلا في حماها.
شهرزاد: ما بكِ يا سمرقند؟ لستِ على ما يُرام اليوم..
سمرقند: لا شيء، فقط هدوء الرجال حولنا يُشعرني بعدم الإطمئنان لوهلة..
شهرزاد: هدوء الرجال؟ ليس هُناك رجل هاديء يا سمرقند، لكن التظاهر نعمة لا يدركها إلا القليل!
لا تتركيهم يخدعون عينيكِ الصافيتين البريئة.
سمرقند: ما بال البراءة يا شهرزاد؟ أليست ما تجعل الحزين يفرح و الكئيب يتشبث بأمل؟
شهرزاد: لا، ليست هي. لابد ان تعلمي ماذا تعطين لكل من يطرق طريقك، لا تُعطي الكثير لمن يستحق القليل و لا تُفكرِ بقلب تائه أبداً، لا تبدأي بإستراق النظر للشخص الخطأ يا سمرقند. فهذا يُحزن.
الناس من حولهما تتفوه بهمس مسموع يجعل مرمى سمعهما يجمع الكثير من الكلمات المرغوبة و الغير مرغوبة. عين و أذُن و ألسنة كثيرة. الهواء الهاديء الخفيف يترجى أنفاساً ان تستمر بالرقُود.
سمرقند: شهرزاد، لماذا ينظرون إلينا بإهتمام مخفي؟
شهرزاد: (مبتسمة) لأنك جميلة!
سمرقند: (نظرت لأرض وقوفها) كُفي عن قول تلك الكلمة.. أنتِ تعلمين انني لست بجميلة! على عكسك أنتِ. لربما ينظرون إليكِ و حسبتهم ينظرون إلينا معاً..
شهرزاد: لماذا تقولين هذا؟ ليس هناك إمرأة ليست جميلة. الحكمة في كيفية إظهارها ذلك.
سمرقند: لا زالوا ينظرون و ينتظرون..
شهرزاد: كُفي عن ملاحظتهم! عندما تُلاحظين تتعبين.
سمرقند: لكن كل الأشياء تُتعب حتى إن لم نلحظها و هذا مُشين حقاً..، شهرزاد، ما الذي يجعلنا سعداء بحق؟ دون ان نتظاهر؟ أتعلمين؟
شهرزاد: عندما نتخلى يا سمرقند عن كل ما يجعلنا نشعر أننا غير كافيين، عندها نشعر أننا بحاجة ان نتغير، فنترك ما كان يمنعنا فنسعد. على ما أظن..
سمرقند: و شهريار؟ كان يمنعك؟
توقفت الناس من حولهم عن التكاثر في محيط تواجدهم و بقيتا لوحدهما في وسط طريقهم. توقفت شهرزاد و نظرت لسمرقند بإستغراب مُبهم.
شهرزاد: شهريار لم يكن يمنعني، شهريار كان يمنع نفسه ان يمنعني. هذا ما كان هو عليه. لماذا تسألين؟
سمرقند: هو كان دائماً ما يتكلم عن غموضك و أنك سبب حياته و محورها، فتسألت عن ما إذ هو أيضاً كان يُشعر نفسه انه غير كافي لكِ..
شهرزاد: لا، لم يكن..
اكملوا طريقهما إلى بائعة القُماش و حولهم الناس من رجال و نساء و أطفال و سوق مزدحم بأنفاس ساخنة وسط الشتاء. كانوا ينظرون و ينتظرون نظرة من سمرقند او شهرزاد أم منهما معاً. لا أحد يدري.
- سلمى أبوزيد.
0 comments:
Post a Comment