Thursday, August 13, 2015

6:05 AM - No comments

نُقطة وصُول

نقطة وصول


هذا اللوح الخشبي يمتد إلى جذور الأرض. نظرت إليه نظرة تحدي و استفهام؛ ان كيف يكون بتلك القوة و الصلابة و الإصرار، كيف تصل جذوره إلى اصل الأصول، حيث الطين و الماء و التراب المختلط بالحصى؟ فأنا مكونة من كل هذا و ما عساي ان اصل بجذوري مثلما يفعل. اعتقد اننا مع كل الاستفهامات التي بلا إجابات قاطعة نحظى بفرصة التنوير و لكنها ليست وصول. على اية حال، فذلك افضل من لا شيء. 

جلست على أولى درجات السلم الخشبي و يدي بجانبي؛ تمشي على انخفاضات الخشب التي لا تشوبه بل العكس تجعل منه ما هو عليه. هذا و صوت البحر الغاضب على كل من مر به و لم يلقي السلام و التحية. أغمضت عيني و تذكرت ان هنا بالذات منذ خمس سنوات، حدث ما غير ايام و ألوان حياتي.

على الدرجة الثالثة، قدمه اليمنى تسبق اليُسرى بدرجة لتعلن ما قدم هو على فعله. ما زلت اتذكر ملمس يده و هي تُغلف يدي و نظرته تتبعها ببطء حتى وصلت لعيني و صمت لوهلة تُنبيء بشيء قادم مؤكد. كنت هادئة، كما البحر حينها.
قال لي انني لا اعلم مدى أهميتي بحياته، قال اني افضل ما حدث له منذ الولادة، و كل هذا كان قد قيل من قبل في أفلام و ما شابه ذلك. و لكن عندما قال اني انا التي اجعل منه الرجل الذي هو عليه و الذي يريد ان يكون في الخمس سنوات المقبلة، أحسست انه اقترب من طلبه؛ اتقضين معي ما بقي من عمرك؟ سألني. سمعت كلماته و غمرتني سعادتي فبكيت فعلم جوابي.

تلك التشققات بين الخشب المختلطة بالرطوبة، اتذكر كيف استقبلت الخاتم الذي وقع من يدينا بسبب توترنا و فرحتنا. تلك التي لم تدم طويلاً، و لم يعد البحر هادئاً منذ ذاك الوقت.

أمواج البحر تناديني لأطلق العنان لأفكاري، تصرخ عند اصطدامها بالحجارة ان لا احد يموت بعد فراق احد إلا إذا كانا يتشاركا الأنفاس و نبضات قلبيهما؛ أليست تلك غاية الخاتمان في الخنصر الثالث من اليد اليسرى؟ 
جاءت موجة عنيفة فهبطت ببعض من مياهها على وجهي فارتجفت عن أفكاري و كأنها تفيقني من انغماسي فيما مضى. كأنما تقول لي ان ليس الحال كما الحال و أن كل موجود زائل حتى و إن لم نصدق في باديء الامر. و في تلك اللحظة، غربت الشمس مؤكدة كلام البحر و بدأ يهدأ شيئاً فشيئا. كما حالي أنا. 

وجدت تشابه بين البحر و حالي؛ مالح و ليس مستقر و غير متوقع. ذلك اليوم، لم يكن ليهدأ لي بال إلا إذا تكلمت معه عن تلك الأمور السخيفة التي تبقينا على قيد الحياة لتعكر صفوتنا. كان طويل البال، ذكي و صبور، لم يتكلم إلا عندما طلبت منه المجيء حتى نعلم ما العمل، فرفض، و زاد غضبي اكثر. لم أكن أريده ان يجيء دون علمي، و للحظة ظننت اني لم أكن أريده ان يتحرك من بيته في تلك الليلة. ثم حدث ما يحدث في كل مرة، وضع أُمنياتي قبل حياته و جاء لي في وسط الأمطار التي لم ترحم احداً حينها؛ لم يكن هناك غيره يستقبل ما حملت في ذاك الوقت المتأخر. جاء محملاً بالتسامح و الاعتذار لانشغاله عني بالعمل، و أنا تفهمت. 

كانت تلك الليلة الاخيرة قبل ان ينقلب كل شيء و ينتهي بفتور تام. لم نتشاجر او يعلو صوتنا. فكما حدث معه من ذهول لعدم حبي بعد الان، أحسست انا بالمثل. كنت متفاجئة؛ كيف ينتهي شيء لم نطيق انتظار بدايته؟ و كيف تركت من حاربت الجميع لوجوده؟ بعد تلك الليلة، لم يتبقى الكثير من الوقت او الايام حين بدأت الشعور اننا استنفذنا جميع قوانا. و لأول مرة أحسست بتلك القطعة الذهبية حول إصبعي تصدأ مع انها من الذهب، و الذهب لا يصدأ. لكن من الواضح ان هناك أشياء كثيرة نعلمها ثم تضح اكثر حين يظهر عكسها.
 
عادت كل الأشياء إلى رأسي و لم تذكرني الأمواج في تلك المرة، فقد حان موعد الشروق الان. و وجدتني أجيء في مثل اليوم من كل سنة لأخطف لحظات على ذلك اللوح المدرج الذي كان يحبه كثيراً؛ فكان يقول لي ان لكل رحلة أصول و نقطة وصول، و ان لا شيء لا يحدث هباءً او فراغاً. كما ذلك اللوح الذي لولاه لما كانت تلك الكلمات ان تنبث مننا. 

شروق الشمس يعلمني ان تلك هي اللحظة التي يهدأ فيها البحر و أمواجه ليصل إلى السكينة حتى يبدأ رحلته إلى الغروب ثانية. و انا كما البحر، هادئة حتى غروبي و حتى نقطة وصولي.

— سَلْمَىٰ أبُوزِيٓدْ